السبت، 7 مارس 2015

أ.أحمد بن شريف -الجزائر محمد جلال الدين اكبر وقناة . MBC Boolyood وتشويه التاريخ الاسلامي الهندي لقد بثت قناة بولييوود ام. ب. س MBC Booly ood فيلما هنديا عن الملك المغولي محمد جلال الدين أكبر.- وقناة MBC Boolyood هي احدى القنوات التابعة لمجموعة MBC السعودية – بلاد الحرمين الشريفين .– وصور الملك صورة الملك المتفتح والعصري والانساني العظيم . وصورة الانسان الذي تجاوزالتعصب المتبع من أسلافه ضد الطبقات الاجتماعية المختلفة، كما صور في صورة الانسان السياسي المحنك الذي يعرف مقتضيات العصر ومستلزماته. والتي تجاوزت الشريعة لأنها لا تناسب العصر؛ حيث ظهر ذلك في لقطة من الفيلم حينما أنكر الفقهاء عليه زواجه من مشركة هندية. لقد كان بحسب تعبير بعض مؤرخي الهند المعاصرين رجلا علمانيا متفتحا. لكن ليقل الهنود والهنادك ما شاء وا أما أن تبث قناة محسوبة على العرب والمسلمين والسعودية والحرمين فهذا ما لا يعقل. أما أن نساهم في تشويه التاريخ الاسلامي لدولة المغول وللحكم الاسلامي للهند الذي استمر ثمانية قرون بتضخيم المحطات التاريخية الشاذة والسكوت المطبق عن المحطات التاريخية المضيئة فهذا مما لا يعقل أيضا. وليس لنا هنا إلا أن نقول أيها العرب وأيها الأمراء اتقوا اﷲ في قنواتكم. وليكن عندكم الوعي التاريخي والاحساس بالكرامة. ونضع الآن بين يدي القراء العرب والمسلمين حقيقة محمد جلال الدين اكبر في التاريخ. كانت مملكة محمد جلال الدين أكبرمن أوسع ممالك الهند وأثبتها مائلة للاستقرار والثبات . ورثها من اسلافه المغول المسلمين السنيين ؛ عقيدة ، موطأة الأكناف مضروبة الأوتاد. وكان ذا شخصية قوية أخضع الأمراء لسلطته سواء الأمراء المسلمون أو الراجبوت الهندوس. عاش في عقيدته مسلما ساذجا بسيطا يعرف من الاسلام ما تعرفه العامة؛ لأنه نشأ نشأة أمية. ثم بدأ في عهده مجالس المناظرات بين الأديان – الاسلام و الهندوسية ثم المسيحية - وكان يتأثر بكلذلك ولا يستقر له أمر كان يؤثر فيه كل من كان لسنا خطيبا يحسن الحديث على دينه أو فكرته. فكان يميل مع كل خطيب . وزين له من كان في بلاطه فكرة وحدة الأديان. وزرع في فكره أن يكون مجدد الألف الثاني من خلال فكرة مفادها انشاء دين جديد دعي بالدين الأكبري؛ نسبة اليه. وأساسه أن دين محمد صلى اﷲ عليه وسلم قد أمضى الف سنة. وقد طلعت بداية الألف الثانية ؛ ولا بد من دين جديد ينسخ الدين العربي. ويؤسس على يد رجل أمي وكان محمد أكبر رجلا أميا . فراقت له الفكرة وأسس الدين الأكبري، و اعانه على انحرافه وانصرافه ملا مبارك وولداه : فيضي و ابو الفضل وهم شيعة وكان الملا مبارك كما قال عنه الشيخ خواجه كلان ً كان يعتنق في كل دور من أدوار حياته المذهب أو الديانة التي يرغب فيها الأمراء والملوك ً . ويقول المؤرخ - welze haig –" لقد اعتنق ملا مبارك في مختلف أدوار حياته المذاهب السنية، والشيعية، والصوفية، والمهدوية، وغير ذلك مما لا يعلمه إلا اﷲ" . وكان لهؤلاء وغيرهم مثل زوجاته الهندوكيات تأثير بالغ في شخصيته وآراءه الدينية ومواقفه. وتجلت انحرافاته الدينية عن الاسلام في ما يلي: 1 - عبادة النار : يقول أبو الفضل الذي كان من حاشيته وخلصائه عنه " يشعل الخدم بعد غروب الشمس اثني عشر شمعة ممزوجة بالكافور، ويضعون كل شمعة من هذه الشموع في قصاع من الذهب والفضة، ويأتون بها الى حضرة السلطان، ويتغنى أحد هؤلاء الخدم، حلو اللسان جيد النغم بأناشيد الثناء على اﷲ في ألحان جميلة جذابة متنوعة، وهو يحمل الشمعة ثم يدعو في الختام ليمد اﷲ في عمر جلالة السلطان وثروته. 2 - عبادة الشمس: كانت عبادة اله النور في عمارة تسمى دوآشيانه منزل ومنها بدا تعظيم الشمس. وكان السلطان جلال أكبريقول: إن للشمس اهتماما خاصا بحال السلاطين. 3 - ماء النهر المقدس: كان يقلد الهندوس في الشرب من ماء النهر الهندوكي المقدس وكان يعبأ له ليشرب منه في حله وسفره. 4 - الرسم والتصوير كان يتخذ التصاوير الدينية في قصره ويستنكر تحريم التصوير وكان لزوجاته الهندوكيات أثير في هذا فقد كن يتخذن صورا لآلهتهن. 5 - مواقيت العبادة: وضع لعباداته مواقيت تختلف عن مواقيت الصلاة الاسلامية 6 - سجدة التحية والتعظيم: اتخذ لنفسه سجدة يسجدها الداخل عليه وهي من طقوسه 7 - آداب المقابلة: اتخذ لمقابلته آدابا منها بأن ينادى عند من يرغب الدخول عليه باﷲ اكبر فيرد لآخر جل جلاله أي السلطان. 8 - كراهية التاريخ الهجري: استبدل التاريخ الهجري الذي درجت عليه الدولة الى تاريخ مستحدث مربوط بتاريخ تغيير دينه الجديد. 9 - كراهية الأسماء الإسلامية ؛ فقد منع التسمي بأحمد ومحمد، والغى من اسمه محمد فكان يدعى جلال أكبر بدلا من محمد جلال الدين أكبر. 10- الغاء الاحتفالات الاسلامية كالعيدين واستبدالها بأخرى 11 - منع الزكاة 12-تحريم أكل اللحوم 13-اباحة أكل الخنزير 14- تحريم ذبح البقرة 15- اباحة شرب الخمر وبيعها وإظهارها 16- التزام الطقوس الهندية 17- انكار معجزات الأنبياء 18- انكار الختان ومنعه 19- تنظيم الزواج بطريقة مخالفة للشرع 20- رؤية السلطان عبادة 21- السخرية من الاسراء والمعراج 22 - اهانة مكانة النبوة 23- المنع من الصلاة 24- الاستهزاء بأركان الاسلام وفرائضه)1( هذا غيض من فيض . وهل في هذا الانحراف مفخرة تعرضها على المشاهدين العرب قناة MBC ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- رجال الفكر والدعوة في الاسلام: أبوالحسن علي الحسني الندوي ج3 / 2010 دار القلم دمشق ص116 - 134


أ.أحمد بن شريف -الجزائر 
                     محمد جلال الدين اكبر وقناة . MBC Boolyood  وتشويه التاريخ الاسلامي الهندي
لقد بثت قناة بولييوود ام. ب. س MBC Booly ood  فيلما هنديا عن الملك المغولي محمد جلال الدين أكبر.- وقناة MBC Boolyood
هي احدى القنوات التابعة لمجموعة MBC  السعودية – بلاد الحرمين الشريفين .–
وصور الملك صورة الملك المتفتح والعصري والانساني العظيم . وصورة الانسان الذي تجاوزالتعصب المتبع من أسلافه ضد الطبقات الاجتماعية المختلفة، كما صور في صورة الانسان السياسي المحنك الذي يعرف مقتضيات العصر ومستلزماته. والتي تجاوزت الشريعة لأنها لا تناسب العصر؛ حيث ظهر ذلك في لقطة من الفيلم حينما أنكر الفقهاء عليه زواجه من مشركة هندية. لقد كان بحسب تعبير بعض مؤرخي الهند المعاصرين رجلا علمانيا متفتحا. لكن ليقل الهنود والهنادك ما شاء وا أما أن تبث قناة محسوبة على العرب والمسلمين والسعودية والحرمين فهذا ما لا يعقل. أما أن نساهم في تشويه التاريخ الاسلامي لدولة المغول وللحكم الاسلامي للهند الذي استمر ثمانية قرون بتضخيم المحطات التاريخية الشاذة والسكوت المطبق عن المحطات التاريخية المضيئة فهذا مما لا يعقل أيضا. وليس لنا هنا إلا أن نقول أيها العرب وأيها الأمراء اتقوا اﷲ في قنواتكم. وليكن عندكم الوعي التاريخي والاحساس بالكرامة.

ونضع الآن بين يدي القراء العرب والمسلمين حقيقة محمد جلال الدين اكبر في التاريخ.
كانت مملكة محمد جلال الدين أكبرمن أوسع ممالك الهند وأثبتها مائلة للاستقرار والثبات . ورثها من اسلافه المغول المسلمين السنيين ؛ عقيدة ، موطأة الأكناف مضروبة الأوتاد. وكان ذا شخصية قوية أخضع الأمراء لسلطته سواء الأمراء المسلمون أو الراجبوت الهندوس. عاش في عقيدته مسلما ساذجا بسيطا يعرف من الاسلام ما تعرفه العامة؛ لأنه نشأ نشأة أمية. ثم بدأ في عهده مجالس المناظرات بين الأديان – الاسلام و الهندوسية ثم المسيحية - وكان يتأثر بكلذلك ولا يستقر له أمر كان يؤثر فيه كل من كان لسنا خطيبا يحسن الحديث على دينه أو فكرته. فكان يميل مع كل خطيب . وزين له من كان في بلاطه فكرة وحدة الأديان. وزرع في فكره أن يكون مجدد الألف الثاني من خلال فكرة مفادها انشاء دين جديد دعي بالدين الأكبري؛ نسبة اليه. وأساسه أن دين محمد صلى اﷲ عليه وسلم قد أمضى الف سنة. وقد طلعت بداية الألف الثانية ؛ ولا بد من دين جديد ينسخ الدين العربي. ويؤسس على يد رجل أمي وكان محمد أكبر رجلا أميا . فراقت له الفكرة وأسس الدين الأكبري، و اعانه على انحرافه وانصرافه ملا مبارك وولداه : فيضي و ابو الفضل وهم شيعة وكان الملا مبارك كما قال عنه الشيخ خواجه كلان ً كان يعتنق في كل دور من أدوار حياته المذهب أو الديانة التي يرغب فيها الأمراء والملوك ً . ويقول المؤرخ - welze haig  –" لقد اعتنق ملا مبارك في مختلف أدوار حياته المذاهب السنية، والشيعية، والصوفية، والمهدوية، وغير ذلك مما لا يعلمه إلا اﷲ" . وكان لهؤلاء وغيرهم مثل زوجاته الهندوكيات تأثير بالغ في شخصيته وآراءه الدينية ومواقفه. وتجلت انحرافاته الدينية عن الاسلام في ما يلي:
1 - عبادة النار : يقول أبو الفضل الذي كان من حاشيته وخلصائه عنه " يشعل الخدم بعد غروب الشمس اثني عشر شمعة ممزوجة بالكافور، ويضعون كل شمعة من هذه الشموع في قصاع من الذهب والفضة، ويأتون بها الى حضرة السلطان، ويتغنى أحد هؤلاء الخدم، حلو اللسان جيد النغم بأناشيد الثناء على اﷲ في ألحان جميلة جذابة متنوعة، وهو يحمل الشمعة ثم يدعو في الختام ليمد اﷲ في عمر جلالة السلطان وثروته.
2 - عبادة الشمس: كانت عبادة اله النور في عمارة تسمى دوآشيانه منزل ومنها بدا تعظيم الشمس. وكان السلطان جلال أكبريقول: إن للشمس اهتماما خاصا بحال السلاطين. 
3 - ماء النهر المقدس: كان يقلد الهندوس في الشرب من ماء النهر الهندوكي المقدس وكان يعبأ له ليشرب منه في حله وسفره.
4 - الرسم والتصوير كان يتخذ التصاوير الدينية في قصره ويستنكر تحريم التصوير وكان لزوجاته الهندوكيات أثير في هذا فقد كن يتخذن صورا لآلهتهن.
5 - مواقيت العبادة: وضع لعباداته مواقيت تختلف عن مواقيت الصلاة الاسلامية 
6 - سجدة التحية والتعظيم: اتخذ لنفسه سجدة يسجدها الداخل عليه وهي من طقوسه 
7 - آداب المقابلة: اتخذ لمقابلته آدابا منها بأن ينادى عند من يرغب الدخول عليه باﷲ اكبر فيرد لآخر جل جلاله أي السلطان.
8 - كراهية التاريخ الهجري: استبدل التاريخ الهجري الذي درجت عليه الدولة الى تاريخ مستحدث مربوط بتاريخ تغيير دينه الجديد.
9 - كراهية الأسماء الإسلامية ؛ فقد منع التسمي بأحمد ومحمد، والغى من اسمه محمد فكان يدعى جلال أكبر بدلا من محمد جلال الدين أكبر.
10- الغاء الاحتفالات الاسلامية كالعيدين واستبدالها بأخرى 
11 - منع الزكاة
12-تحريم أكل اللحوم
13-اباحة أكل الخنزير
14- تحريم ذبح البقرة
15- اباحة شرب الخمر وبيعها وإظهارها
16- التزام الطقوس الهندية
17- انكار معجزات الأنبياء
18- انكار الختان ومنعه
19- تنظيم الزواج بطريقة مخالفة للشرع
20- رؤية السلطان عبادة
21- السخرية من الاسراء والمعراج
22 - اهانة مكانة النبوة
23- المنع من الصلاة
24- الاستهزاء بأركان الاسلام وفرائضه)1(

هذا غيض من فيض . وهل في هذا الانحراف مفخرة تعرضها على المشاهدين العرب قناة MBC
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- رجال الفكر والدعوة في الاسلام: أبوالحسن علي الحسني الندوي ج3 / 2010 دار القلم دمشق ص116 - 134

الجمعة، 31 يناير 2014

هو وانا ...قصتي وقصته الكاملة.


هو وانا ...قصتي وقصته الكاملة.            الحلقة الأولى.

           ولدت في يوم صائف شديد الحر من شهر جوان في ستينيات القرن الماضي؛ حمل القرن الماضي احلاما عريضة لكثير من الأطفال أمثالي. كان والدي متعلق جدا بحاكم الدولة وراعيها. يستمع باهتمام بالغ في المذياع الى كلماته. كنت استرق السمع والنظراليه . وهو مشدوها وكأن مسا من جن قد انتابه حين يتحدث الحاكم؛ وكم رأيته وهو يضحك بصوت عالي جدا، وهو يكاد يطير فرحا. لم أكن أبالي بحاله هذه وان كنت أتابع حركاته وأرغب أحيانا أن اكون مثله أفهم كل شيء مثل أبي. كنت أحمل قطعة الخبز ثم انطلق حافيا لألعب مع أترابي في قريتي. مضت السنين وكبرت قليلا وتوجهت الى المدرسة بالبلدة القريبة. رأيت طفلا أشقر اللون يرتدي ملابس براقة لم تخطر لي على بال ولم يسبق لي ان رأيت مثلها. حذاؤه براقا جدا وبشرته صافية وشعره ممشط جداب. كان لباسي الذي كنت به فرحا مسرورا قد لايقبل زميلي المحترم ان يجعل منه قطعة لمسح حذائه. ادركت هناك درسي الأول. اني شيء مختلف وزميلي شيء مختلف. كانت امي تقول دائما الخلق خلق الله وكلنا ابناء تسعة اشهر. ادركت حينها ان هذه الكلمة لا معنى لها. كان زميلي لطيفا حين جلس بجانبي في الصف الأول بالطاولة الاولى، كنت انظر الى ملابسه وهي تأخذ بلبي كله.

شرعت المدرسة في تعليمنا الحروف أ ، ب، ت....... ومضت الشهور وكأنها أيام. لم اعد اهتم بلباسي او لباس صاحبي. لأني اكتشفت أني املك قدرة تعلمية كبيرة جدا تتجاوز زميلي بمئات الأميال. صرت ملك الاختبارات، اضحك واقفز كثيرا يوم ارجاع اوراق الامتحانات. كنت ارفع ورقتي واتركها بين ايدي زملائي يتداولونها وكنت اتمنى لو سارت ورقتي في الآفاق كلها، فلم تكن بالنسبة لي ورقة عادية بل كانت أنا مجسدا في ورقة. كانت كأنها روحي تتناولها الأيدي الناعمة. وكان زميلي يدس ورقته في محفظته وكأنه أصابها مس.
مرت السنون والسنون ونحن ننتقل من طور الى طور، دخلت الجامعة ودخل صاحبي الجامعة. لقد صارت بدلاته الجميلة سيارات فارهة واناقة زائدة عن اللزوم، كانت حياته مترفة تتهافت عليه فراشات الجامعة، كنت حينها اتمنى لو حامت حولي فراشة من تلك الفراشات الجميلات. هكذا كنت احلم فقط ، ولم اكن اجرء على اكثر من هذا.

تخرجت بتفوق وصاحبي كعادته لايعنيه ما يدرس أو لما يدرس. فمستقبله كما يبدو مرسوم ومعلوم سلفا.
تخرجت ثم عملت وانصرف صاحبي الى شأنه ولم يعد احد منا يرى الآخر .
تصفحت كعادتي جريدتي وفاجأتني صورته في الصفحة الأولى، وأخذت أحدق اليه واسترجع الأيام السوالف ثم تابعت قراءتي وقد كتب تحت اسمه: لقد عين سموه أميرا على منطقة ..... لم اكن قبل هذا اظنني لااعرفه جيدا بل كنت اقسم الأيمان المغلظة أني من اعرف الناس به. لكن ادركت بعد هذا المنشور أن صاحب الملابس البراقة من السنة الأولى من المدرسة الابتدائية، مختلف عن ذلك الطفل ذو الأسمال البالية الذي هو أنا. وأدركت أن عقلي الكبير وعقله الصغير نسبيا لم يجعلا مني كبيرا ولا منه صغيرا. وادركت ان للحياة منطقها الخاص. والذي لايخضع ولا يبالي بمنطق ارسطو او غير ارسطو. انه منطق الثروة والسطوة.
استخرجت كراستي ودونت عليه كلمات فاضت من قلبي كأنها شعر، اما انا فقد كانت عندي شعرا طالما شعرت بها من اعماقي، اليس الشعر مشتق من الشعور وليس العكس.
فقلت حينها
:
كنت صغيــــــــــــــــرا * وكـــان صغيـــــرا 
صرت كبيــــــــــــــــرا * و صار كبيــــــــرا
                          ثم
صار أميــــــــــــــــــرا * وما صرت أميـــرا
ولله في خلقه شؤون

. الحلقة الثانية
    صار صديقي أميرا وليس كالأمراء، أميرا جذابا مفوها ،كلماته، خطبه ، تعليقاته. يبدو أن الصحف التي كادت أن تحتجب لرتابة موضوعاتها، بل بشاعتها ستجد فرصة الآن لتنبعث فيها الحياة. في الصفحات الأولى تحليلات سياسية وتوقعات مستقبلية لسياسته الراشدة، وكنت أشك أنه لولا حساسية الرأي العام الديني لنشرت جريدة ما أنه سادس الخلفاء الراشدين لكثرة تكرار عبارة الراشد السياسة الراشدة، بل اعتقد انه رفع مكانا عليا. فلم يروي لنا التاريخ السياسي للخلفاء الراشدين أن قال لهم أحد الرعية يوما جلالتكم أو فخامتكم أو قداستكم. بل الذي نعلمه أن قيل لهم أمير المؤمنين؛ بل زادت جرأة أحدهم فقال يأ أجير المؤمنين. ولست أدري لقلة لباقة أو حصافة سياسية لدى هؤلاء أم لذكاء ودبلوماسية راقية لدى أصحابنا المحدثين. قرأت الصحف كلها أترقب أخبار صاحبي، وأقرأ طبعا فيها طبائع المتزلفين وعباد السلطان....... في أحد الأيام نشرت صحيفة سيارة وكادت أن تخصص العدد كله له، ونصه أصدر الأمير بيانا بغلق جميع السجون في البلد. كم سرتني الكلمة وكم أرهبتني في الوقت نفسه لأني اعتدت بيان الأمراء ولأني أعرف صاحبي ورفيق الدراسة. صفق الجميع أو أغلب الشعب أو هكذا صور ذلك مبدعو الإحصاءات أصحاب بدعة 99.99% . مرت الأيام سراعا وهي حبالى وتذكرت قول طرفة ابن العبد سيأتيك بالأخبار من لم تبع له بتا ويأتيك بالأخبار من لم تزود. وجاءت الأخبار كما قال طرفة. لقد صار بلدي الذي أغلقت سجونه سجنا كبيرا أو كذا الخلته. ونطقت كعادتي شعرا أو شعورا كما أرغب تسميته. فكتبت كلمات على ورقة التقطها من الشارع او من أخد ابواب السجن الكبير. فقلت: أصدر الأميـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر بيــانا
فشكرا للأمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر.
 (أغلقوا السجــون في بلدي) .
فشكـــــرا للأمـيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر .
فقد أمســــــــى بلدي سجن كبيــــر.
شكــــــــــــــــــــــــــرا للأمــــــــــــــــــــــــــير

العلم والرعية في بلد الأمير
الحلقة الثالثة

        صديقي الأمير كشف القناع الذي ارتداه لحظة من الزمن، أو القناع الذي نسجته حوله أيادي المطبلين من خدم السلطان واتباعهم ، وهم كثر، أو الذي صنعته العامة، وأبت الا ان ترى الأمير الا من خلاله. انه قناع مثل ذلك الذي تصنعه الأفلام حيث لا يمكن ان ترى الشخص المختفي الا من خلال لبسه لباسا معينا ، لا يمكن ان تراه دون ذلك اللباس ابدا، انه شخص تراه الرعية كما تريد لا كما هو في حقيقته وطبيعته. انها تأبى أن ترى الحقائق ، لذا تصرّ على رؤيتها مقنعة مزيفة. انها تخشى الواقع وتخشى صدماته؛ لأننا جميعا، نلبس أقنعتنا الذاتية، ومن هنا كان من الأحرى أن يكون لأميرنا قناعه الذاتي .
       في بلد الأمير تعلمنا فنونا كثيرة وعلوما كثيرة. وتعلمت كباقي الرعية. ما قلته يوما في لحظة انفعال هكذا :
  في بلد الأمير
علموني كثيرا
علموني أن أقول نعــم
صاغوها في أذني نغم
علموني في بلد الأمير كثيرا
علموني أن كل ما في بلدي امرأة
وأن أمــــــــــــــي امرأة
وأن زوجـــــــــي امرأة
ثــــــــم قالوا
أمك عـــورة
 وزوجك عورة
وأفكاري أيضا عـــورة؟
شكرا للأمير.

دفتر الوطنية في بلد الأمير.

الحلقة الرابعة
       أصدر الأمير المفدى مرسوما تنفيذيا أميريا. مرسوم طبل له الكثير وتهافت على تطبيقه واستلهامه الكثير، وأنا أعلم لو طلب الأمير تفسيرا لمرسومه لفسرته العامة والخاصة ولأتوا على شرحه وفي شرحه العجب، لكني أعلم أنهم سيجمعون على عظمته وحكمته والهامه. ويختلفون في أشياء منه لا لغموض فيه بل يختلفون باختلاف درجات تزلفهم وتملقهم فلكل منهم ابداعه ومرتبته في التزلف والتقرب من الأمير. ولو ألهموا شعرا لخرجت دواوين ودواوين. قد تفوق طباعتها ما صنعته الحضارة الاسلامية على مدى قرون  لو رصت أوراقه لبلغت الثريا.
لقد كان مرسوم الأمير المفدى ينص في فقراته كلها على الوطنية وفداء الوطن و ........... وأبدع ما فيه :
المادة 04 : لا يتمتع بالوطنية الحقة الا من حصل على دفتر الوطنية.
هبّ الجميع للحصول على دفتر الوطنية.
هرولت للحصول على الدفتر.
وقفت في الطابور.
صفعني شرطي الأمير.
امضيت اليوم فلم أحصل على الدفتر.
بت ليلتي خارج الوطنية.
بعد صلاة الفجر وقفت في الطابور.
عساي أفوز بالدفتر.
نظرت يمينا ونظرت شمالا .
جمعت الدينار الأحمر والدولار الأخضر..
دفعت كل ذلك لشرطي الأمير.
تبسم في وجهي وأخيرا منحني الدفتر.
قبلت الدفتر ، نظرت فيه، نظرت في صورة الأمير وقد زينت الدفتر.
آه .وفرحتاه ها أنا حصلت على الوطنية، ها أنا المواطن الأكبر.
حملت دفتري، سرت في الطريق أتبختر.
فجأة أوقفني شرطي الأمير.
سألني عن دفتر الوطنية.
تبسمت ثم سلكت يدي في جيبي لأستخرج الدفتر.
بحثت يمينا ........ بحثت شمالا.
فتشت كل مكان فلم أعثر على الدفتر.
اقتادني شرطي الأميــر الى المخفر.
صفع خدي الأيمن ثم الأيسر.
ناداني يا خائن الوطنية أين وضعت الدفتر.
أقسمت يمينا أني أملك دفتر الوطنية.
وأني مؤمن الى الأعماق بالوطنية.
وفجأة وجدت تحت معطفي دينار فوضعته في يد الشرطي.
طأطأ رأسه، غاب ساعة  ثم  سلمني الدفتر.
قرأت اسمي ثم انصرفت.
حمدت الله في بلد الأمير.  فقد صارت الوطنية بدينار ، صارت الوطنية خطوطا على الدفتر.
فشكر للأمير الأعز الأغبر.

الخميس، 30 يناير 2014

          إن  ثورة ناجحة؛ هي التي تكون موجهة الى الزوايا الحادة، في مثلث الفساد؛ للسلطة الحاكمة ؛ الى من يقود الجيش ويتحكّم باسمه وبشرعيته، وزاوية السلطة التنفيذية ومن ينشبك في سراديبها وخيوطها المتعددة، وزاوية القضاء وما يعلق به من عفن سلطوي. انها الزوايا الثلاث؛  التي ينبغي تطهيرها بعين فاحصة وبلا هوادة . وبأسرع وقت ممكن. وان لم يكن هذا فإن طائر الفينق يقوم من رماده ليلتهم بيوض الحمام الثائر  أو بالأحرى الطائر.

الجمعة، 29 نوفمبر 2013

الرمزية في النقد الأدبي العربيGOOGLE.COM

1-
شهدت المذاهب الأدبية والنقدية في الأدب العربي تطورا كان يتماشى مع المنجزات الحضارية العامة والواقع المعرفي والعلمي للمجتمع(1). فقد كان اهتمام علماء الأدب بحفظ الشعر وكلام العرب ، وبهذا نشأت الطبقة الأولى من علماء اللغة ونقاد الأدب ، فغلب عليهم الرواية وتجميع المادة النصية اللغوية والشعرية. وجاءت بعدهم طبقات أخر أخذت تسلك إلى نقد الشعر والنظر في الأدب مسالك فنشأت طبقات من أمثال ابن سلام الجمحي ، وأبي الفرج الأصفهاني والجاحظ أبي عثمان والزوزني وأبي تمام وابن رشيق وسواهم من النقاد ودارسو ا الأدب. حيث اخذ هؤلاء في إرساء أسس نقدية عربية لدراسة الشعر والحكم عليه والموازنة بين شعرائه والمفاضلة بينهم. وكان اهتمامهم بالموازنة بين اللفظ والمعنى وما يتفرع عن ذلك من مباحث كالسرقات الأدبية والمفاضلة بين القولين في الموضوع الواحد والمعنى المبتكر وما سوى ذلك من المباحث. وظل الأدب والنقد الأدبي العربي يترقى على هذا الحال ونشأت مدرس النقد المشرقي والأندلسي. وكانت بين المدارس النقدية مساجلات وملاسنات. وظل الأدب ونقده في صيرورته إلى أن تراجع الأدب والنقد وانكسر عودهما بعد القرن الخامس الهجري واشتد الانكسار بعد القرن الثامن الهجري. حيث فشا اللحن وزالت القرائح واستفحل النظم.
وظل النقد الأدبي العربي على حاله إلى جاءت العصور الحديثة واختلط العرب بالحضارة الغربية ونظروا في أدبها ونقدها ففتحت لهم في النقد مجالات وأبواب فولج بعضهم واستقى منها وعاداها آخرون ووقوا لها بالمرصاد.وظل النقد الغربي بإشكاله ولاسيما في القرن العشرين يجد سبيلا إلى الدراسات الأدبية العربية، واشتد حركة الانتقال بعد ستينيات القرن العشرين. فظهرت المدارس الرمزية والسريالية والبر ناسية والمدرسة المهجرية وبرز النقد التحرري والماركسي والبنيوي والتوليدي ثم التفكيكي والنقد الأسطوري والتأملي وما سوى هذا من المدارس والمسالك النقدية الأدبية.
2-
موضوع البحث:
وفي بحثنا الذي بين أيدينا نحاول دراسة مسالة من مسائل النقد الحديث وان كان لها جذورا في النقد القديم ، إلا أن بنيتها الفلسفية ومفاهيمها لم تدر في خلد النقد العربي القديم. وموضوع الدراسة هو الرمزية في الشعر الجاهلي ونحاول في هذا البحث النظر للموضوع من زوايا متعددة فقد أفردنا للموضوع مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة.
3 -  مباحث الموضوع:

الفصل الاول: دراسة في المصطلح والمفهوم بحيث نظرنا إليه من الناحية الفلسفية والناحية الاجتماعية . فقدر الرمز فلاسفة منذ عصر الأنوار والنهضة وكذلك علماء الاجتماع واستقر معنى الرمز في العلمين باعتباره مفهوما قائما بذاته وقابلا للتصور. وأردفنا الدراسة الفلسفية والاجتماعية بدراسة الرمز في النقد الأدبي حيث كان النقد الأدبي يستند في بنية رؤاه على المفاهيم الفلسفية.
وبعد دراسة المصطلح وتحريره اتجهنا إلى دراسة الفصل الثاني
الفصل الثاني : أفردناه لدراسة الرمز في الادب العربي وكيف انتقل المفهوم إلى الدراسات النقدية العربية واهم الدراسات التي عنت بالرمز وأشكاله التطبيقية في الأدب العربي. وبعد هذا انتقلنا الى الفصل الثالث 
الفصل الثالث: الذي درسنا فيه نماذج من الرموز فكان تحت عنوان الرمز دراسة تطبيقية على الشعر الجاهلي واخترنا نماذج كالناقة والمرأة وحمار الوحش والضبي وما سوا ذلك من المضامين الرمزية الأكثر تداولا على السنة الشعراء الجاهليين. وبعد الانتهاء أضفنا خاتمة.
خاتمة: وهي خلاصة لما سبق من المباحث والنظر.
أهمية الموضوع: لازال النقد الرمزي بكرا في النقد العربي. ومن هنا تأتي أهمية تقليب الشعر العربي على مضامين نقدية جديدة عسى أن يبوح هذا الشعر بشي جديد.

الرمز في الدراسات الفلسفية
اهتمت الدراسات الفلسفية بظاهرة الرمز والترميز وقد ظهرت إشارات كثيرة لظاهرة الرمز عند أفلاطون وأرسطو. واهتم الفلاسفة المسلمون بظاهرة الرمز الفلسفي والرمز الصوفي وفي الفلسفة المعاصرة درس الرمز بالمفهوم الجمالي والإيديولوجي كانط وفق نظرية الشيء ذاته والشيء ذاته تعني الذي يتم تصوره أو التفكير فيه. وهو الجوهر الذي لا يتصور بغير العقل.وكان أفلاطون أول من استعمل هذا المفهوم في محاورة تيماوس.فكان يفهم الشيء في ذاته على انه الواقع كما يوجد حقيقة، وكموضوع للمعرفة التأملية.ويتناول كانط الشيء لذاته من جانبين ، من حيث كونه مفهوما سلبيا مشكلا . والى كونه موضوعا ايجابيا للشيء في ذاته كموضوع للحدس للاحسي. ودرس المفهوم شوبنهاور في الفلسفة الإرادية ونيتشه وسولوفيوف. وتدعو الرمزية الفلسفية إلى المثالية والى الحرية الفردية الفوضوية وتشكلت حول المفاهيم الفلسفية نظريات ومذاهب أدبية حملت اسم الرمزية والفوضوية ولاسيما الأدب الفرنسي والروسي.والرمزية فلسفيا هي الموضوع المتصور والقابل للمثول العقلي لا الظاهري.
الرمز في الدراسات الاجتماعية
اشتغلت الدراسات الاجتماعية على مختلف تخصصاتها بظاهرة الرمز ومعانيه وبنيته وعلاقاته بالفروع العلمية والبناء الفكري وأهم الدراسات الاجتماعية التي تناولت الرمز من زوايا متعددة هي علم الاجتماع العام والثقافي والأنثروبولوجيا والاثنوغرافيا والدراسات الثقافية.
وسنحاول في مايلي إلقاء الضوء على مفاهيم الرمز كما تناولته العلوم الاجتماعية المذكورة سلفا ؛ تتضمن صفة رمز ف الانثروبولوجيا مفهوما محددا ومعنى واسعا. فهو يستخدم في المفهوم المحدود أي المخصص لوصف الأعمال الثقافية التي تتميز بقيمة تعبيرية كالأساطير والشعائر والمعتقدات. وهو يظهر كإعادة تنظيم للتجربة المحسومة وسط منظومة دلالية ولكن هذه الإنشاءات الجماعية لا تحتكر الوظيفة الرمزية. فالاقتصاد والقرابة يتضمنان معنى دلاليا بمقدار الدين والفن عينهما.
أما في المفهوم الواسع، تعود صفة (رمزي) إلى التطور التدريجي لتكوين حالة الثقافة التي تعني إضفاء معنى على الحياة. يختار كل مجتمع معان معينة؛ فيصنف ويجمع ويقارب ويراتب الأمور الحقيقية وفقا لطريقته الخاصة التي تعتبر في الوقت نفسه إطار المفهومية التي يعطيها لذاته وعامل التواصل بين أراده.

نتيجة لذلك تختلف وجهات النظر الأنثروبولوجية اختلافا كبيرا حول الرمزية بحسب تطبيقها على بعض الجوانب الخاصة للنشاط الرمزي مضفية على التحليل تجانسا نسبيا أو متجاوزة الدائرة الرمزية كما هي معرفة ضمن فئات كل ثقافة . فهي تعطي للمعنى بمجمله صفة رمزية في هذه الحالة الأخيرة، لايعتبر النشاط الرمزي مجالا خاصا بالبحث النثروبولوجي. بل صفة للشأن الاجتماعي، فكل ثقافة هي بحد ذاتها نظام رمزي. وتناولت الدراسات الانثروبولوجية الرمز والرمزية من جانبين اثنين:
أولا: مسألة المعنى
إن أوائل العمال الانثروبولوجية التي بذلت جهدا في إبراز الصفات الداخلية للأنظمة الرمزية لم تندرج إلا قليلا في تراث التأمل بالأشكال الرمزية لا سيما تلك التي تطورت في أوربا منذ العصر الرومنطيقي فلقد كان المقصود في معظم الأحوال إثبات وجود خلل عقلاني عام في الفكر البدائي ومقارنة المنطق الفعال للإشارة الغربية بالتباسات ونقائص الرمز الهمجي لقد رفضت الأنثروبولوجيا المعاصرة هذا المفهوم السلبي للرمزية بكونها البعد الذهني المنقوص للعقلانية . وبكونها مفهوما حكرا على الفكر الأولي . لذلك أثبت أعمال غريول GRYAUL
ومعاونيه والتي تناولت التراكيب الرمزية لمجتمعات غرب إفريقيا الترابط الداخلي للتصورات والطابع المنظم للمعرفة التي تشكل نظام العالم. ومن جهة أخرى استخدمت تعاليم فرديناند دي سوسير الألسنية الأبحاث الأنثروبولوجية في اتجاه معاكس مما جعل من الرمزية نظام إشارات أكثر مما هي نظام رموز بالمعنى الشائع للكلمة فهي قد لا تختلف عن اللغة إلا بقدر ربطها المدلولات بدلالات تختلف عما يمكن أن ينتظر منها. ورغم أن هذه المدلولات الرمزية تقيم علاقات ذات نمط تماثلي مع محتوى وحيد المعنى ، فهي تعرف بالمركز الذي تحتله في منظومة من الفوارق ، فالرمزية كاللغة ترتبط بعوارض عامة. وتتجلى هذه المقاربة العلائقية للرمزية بوضوح في منهج التحليل الرمزي الذي اقترحه ليفي ستروس كما تجد مسألة معنى الرموز جوابا مختلفا بالكامل إذا ما انتقلنا من تصور واقعي إلى تصور نسبوي لهذه الرموز.
ثانيا: مسألة الوظيفة:
ليس هناك بالتأكيد قطيعة مطلقة بين الأنثروبولوجيين الذين طرحوا مسألة وظيفة الرموز وأولئك الذين تساءلوا، رغم اختلاف المصطلحات،عن دلالتها. فبعضهم
قد انتقل في أعماله من مقاربة رمزية إلى أخرى مثل تورنر ويعظهم اكد على ضرورة اخذ فعالية الرمزية بعين الاعتبار ، وبذلوا قصارى جهدهم لإيجاد جواب موحد عن المسألتين. بيد أن تاريخ الانثروبولوجيا يوضح التفريق بين هذين التوجهين البحثيين. فمقابل تيارات البحث التي ركزت على * ما تقول * الرمزية وفضلت بالتالي الأعمال الثقافية البالغة الإتقان فكريا. وهناك التيارات التي تركز على * ما تقوم به * الأنظمة الرمزية، أي ما يفعله بها الناس، وهي تهتم بوجه خاص بالممارسات الرمزية التي تأتي في طليعتها الطقوس. لقد وضع دوركايم أسس هذا التقليد الأخير . كما وضع في الوقت نفسه نظرية الأشكال الرمزية . وتتجه الرمزية الماركسية على تأكيد الوظيفية الرمزية السياسية، في حين تسلب أي أهمية وظيفية عن الرمزيات غير السياسية والتي لا تعدو أن تكون بناءا فوقيا زائفا، كما هو في الفلسفة الماركسية ونظرية جدل الديلكتيك
وبهذا تظل من الناحية الانثروبولوجية تتناوش مسألة الوظيفة الرمزية اتجاهان انثروبولوجيان
أما الرمزية في التحليل النفسي فهي طريقة أولية في التفكير تظل قابعة في اللاشعور حيث تخفي معاني الأحلام. ويمكن التوصل إلى معنى الرمز عن طريق
وفي علم الاجتماع يذهب التعريف إلى أن الرمز هو: شئ يحتل مكان شيء آخر.ويحل محله ويستدعيه في آن واحد(. والرمز يتطلب في بنيته ثلاثة عناصر: الدالSIGNIFIANT ومدلول SIGNIFIE و دلالة SIGNIFICATION وتؤدي الرموز في الدراسات الاجتماعية وظيفتين هما وظيفة الاتصال والثانية وظيفة المشاركة. وهما يتساندان في أوجه الفعل الاجتماعي فرمزية الاتصال تيسر المشاركة وتساعد عليهاـ ورمزية المشاركة تقيم أنماطا عدة من الاتصال أيضاولاشك في أن كل شكل من أشكال التفاعل والفعل الاجتماعي يتطلب من جهة العناصر الفاعلة إرسال الرسائل واستقبالها. وبمعنى آخر، يستخدم الإنسان وسائل عديدة للتعبير عن حالته النفسية وأفكاره وأهمها: - وسيلة اللغة الانفعالية والعاطفية والإشارات والأصوات ولغة العلوم.وفي مجال الممارسة الرمزية كرس بيار بورديو قسما كبيرا من إعماله لعلم الاجتماع الثقافي ممارسا تحليلا دقيقا للممارسة الرمزية في الحياة الاجتماعية حيث اثبت انه ليست الحياة تقوم على الروابط الاقتصادية في تشكيل البنية الطبقية في المجتمع بل تقوم أيضا على رأس المال الرمزي الثقافي فهو أيضا يحدد المكانة والموقع الطبقي الذي يمتلكه الإنسان فليس إذا رأس المال المادي وحده المحدد للمكانة بل هناك رأس مال آخر هو رأس المال الرمزي الذي يناظره في التشكيل الاجتماعي وبهذا أصبح هناك نوع من الرأسمال يرسي الحجر الأساس في عملية التراتب الاجتماعي ن حيث ترتكز بشكل تفاضلي الأوضاع الطبقية بما يضع حدا فاصلا بين الطبقة المسيطرة ومختلف شرائحها، والطبقة المتوسطة والطبقات الشعبية . وكرس بورديو في إثبات وتحليل نمطين من الرأسمال الرمزي وهما رأس المال الرمزي الذي تكرسه الشهادات التي يمتلكها الفرد من مؤسسات المجتمع المعترف بها كالجامعات والتي تمنح حامله سلطة ومكانة بقدر ما تمتلك المؤسسات المانحة للشهادة من مكانة. والرأسمال الثاني هو رأس المال الموروث من الأسرة والمتناقل عبر الأجيال.

الرمز في الدراسات النقدية الأدبية
أخذ الرمز حيزاً هاماً في الدراسات النقدية المعاصرة. ونكاد لا نجد دراسة حول الشعر لا تتضمن فصلاً أو أكثر عن علاقة الشعر بالرمز.
ومردُّ ذلك يعودُ - بالدرجة الأولى - إلى حصول الرمز على مساحة واسعة في الشعر المعاصر, وإلى حضوره المتميز فيه. وهو يُعَدُّ إحدى أهم سمات (قصيدة الرؤيا) التي غطّت مرحلتي الخمسينيات والستينيات
ومن أجل تحديد الدلالة الاصطلاحية للرمـز نقول : إن الرمز كلمة, أو عبارة, أو صورة, أو شخصية, أو اسم مكان يحتوي في داخلة على أكثر من دلالة, يربط بينها قطبان رئيسيان. يتمثل الأول بالبعد الظاهر للرمز, وهو ما تتلقاه الحواس منه مباشرة, ويتمثل الثاني بالبعد الباطن أو البعد المراد إيصاله من خلال الرمز. وهناك علاقة وطيدة بين ظاهر الرمز وباطنه .ويمكن للصورة أن تفقد قيمتها إذا حدث تنافر أو عدم انسجام بين القطبين المذكورين باستثناء بعض الحالات الخاصة التي يعمد إليها الشاعر بوعي أو بدون وعي, وتخص طبيعة الرمز المستخدم ونوعه.
وترتبط مستويات استخدام الرمز, والتعامل بـه ومعه, وكذلك قوته على الإيحاء والتمثيل, بتطوّر الوعي الإبداعي, وبقدرته على التجريد.

ويمكن الادعاء أن الرمز -في بدياته الأولى - لم يكن يتعدى الإشارة إلى شئ ( ما ), سواء أعُبـِّرَ عن ذلك بالإيحاء أم بالصوت أم بالحركة... الخ.
وقد انفصل الرمز عن الإشارة - مع احتفاظه بمعناها- منذ بدأ الإنسان ينتقل من التعامل المباشر مع ما يحيط به عن طريق الحواس إلى التعامل بطريقة التجريد والاختزال.
وقد رافق ذلك التطورَ الانفصالُ بين الدالِّ والمدلول على مستوى الهيئة أو الشكل, ويمكن اعتبار اكتشاف الحروف الهجائية شكلاً من أشكال ذلك الانفصال الذي يدلُّ على تطوّر المستوى الذهني للإنسان.
والرمز على أنواع منها: الرمز العلمي, والرمز اللغوي, والرمز الديني, والرمز الفني, والرمز الأسطوري, والرمز الخاص. ومما يجمع بين هذه الأنواع من الرموز أن كل واحد منها يحمل دلالتين ظاهرة وباطنة, وكل رمز يتضّمن الموضوعي والمتصوّر, وكل رمز يحل محلَّ شيء ما, إلى جانب أنه ينطوي على قدرة ثنائية
ويختلف الرمز في الفن - الشعر بخاصّة - عن غيره من الرموز المذكورة أنه لا يتبدّى إلا ضمن السياق, وهو مرتبط بتجربة الشاعر, وبأبعادها, وبالمرجعيات التي تنبثق منها أو تؤثر فيها، كما أنه متعدّدُ الدلالات. فهو يحمل في داخله - إلى جانب المعنى الإشاري - البعد الاجتماعي والنفسي والفكري والعاطفي وما إلى ذلك.
ويمكن القول بهذا الصدد : إن الرمز في الشعر لا يولد من فراغ, وإنما هو انعكاس لشيء ما. ولعل إحدى مهمات الشاعر لا تنحصر فقط بقوة اكتشاف ذلك الانعكاس وطبيعته, وهي لاشكّ مهمة كبيرة وصعبة, وإنما في الكشف أيضاً عن مجمل الأحاسيس التي خُزِّنت من وراء ذلك. وبقدر ما يحمل هذا الاكتشاف من سمات ذاتية يُسبغُها الشاعر على الرمز المكتشف - وهذا أمر طبيعي -, فإنه - مقابل ذلك, أي الرمز المكتشف - يعكس عرفاً جماعياً لم يُفصَح عنه .
من هنا يمكن القول : إن الشاعر لا يشكّلُ الرمز من العدم, أو بعيداً عن العرف المذكور سابقاً, وإنما هو يكتشفه, ويُضيف إليه. وكلما كان الرمز ممثـِّلاً لما هو (عُرفي) و(متّفق عليه), أي انعكاساً للوعي الراهن أو الممكن أو الاثنين معاً, ازداد تأثيراً, وأصالة .
والرمز - ضمن هذا المضمار - يصبح بفضل الرؤيا المنسجمة للشاعر, وبفضل تجسيده له ضمن السياق (أنموذجاً), والأنموذج يعكس رؤية الفرد ورؤاه, ومعه كذلك المجتمع الذي ينتمي إليه ثقافياً
وقد يكون انغلاقُ الرمز على ذاته, وخروجه عن العرف العام بالمعنى المذكور سابقاً سبباً في سقوط كثير من الرموز, وعدم فاعليتها.
إننا نواجه - في كثير من الأحيان - رموزاً شعرية, لا نحسُّ بها, ولا تثُير فينا شيئاً, ربما لأنها مُغرِقه في الذاتية, ولأنها - على الأغلب - لا تعكس تلك الحالة التي ذكرناها آنفا.
إن استخدام الرمز الرمز في الشعر أمر حسّاس جداً, وأي خطأ يحدث في ذلك الاستخدام يُعطِّل الرمز, و يُبطل فاعلية الصورة, ومن ثم قوّة النص التأثيرية في المتلقي.
العلاقة بين الرمز والصورة علاقة تفاعل ضمن جدلية التأثر والتأثر. فالصورة هي الرحم الدافئ الذي ينمو فيه الرمز, وتزداد خصوصيته. فهي - من خلال عناصرها المتمثلة بالواقع والفكر والعاطفة واللاشعور والخيال - تُضيف إلى الرمز أشياء جديدة, وتضعه ضمن مناخ خاص يكفلُ وصوله إلى المتلقي, وتأثيره فيه, وهي - من خلال طبيعتها الحسيه - تساعد على تجسيد الرمز, وعلى وضعه ضمن ساحة الحواس, إي إنها تكفل قوّة تأثير الرمز على العقل والإرادة والحواس.
والصورة أيضا تعمّق أبعاد الرمز المعروف, كما أنها مجال لاكتشاف الرموز غير المعروفه. وهي من جهة أخرى السبيل إلى نقل الرمز إلى أنموذج أو مثال جمالي يعبّر عن حالة جمعية في فتره من الفترات.
وأما تأثير الرمز في الصورة فيتجلى في عدة أمور أذكرُ أهمها
1- إن الرمز يركّز الصورة ويضبط استطالاتها, ويوحِّدُ أبعادها. ويدفعها نحو التكثيف والإيحاء.
2-
إن الرمز يساعد على تعميق الوعي ضمن الصورة. فالرمز - خارج التشكيل الجمالي للصورة - يحمل بداخله مخزوناً خاصاً يضيفه حين يتحد بها. ومثلما تجعل الصورة الرمز مشخّصاً محسوساً, فإن الرمز يمنحها البعد الدلالي الذي يختزنه.
2- والرمز يساهمُ في توسيع المساحتين الزمانيه والمكانية للصورة. فالرمز التاريخي- على سبيل المثال - حين ينضم إلى الصورة ينقل ذهن المتلقي وإحساسه إلى الفترة الزمنية التي أنشئ فيها, وإلى المكان نما فيه وتطوّر. والصورة - مقابل ذلك - تسعى إلى إسقاط ذلك الرمز على موضوع معاصر. وهكذا يكون الرمز سبباً في إغناء الصورة, وفي رَفْدِ أبعادها أبعاداً جديدة, وآفاقاً متنوعة.
4-
إن وجود الرمز يستحضر أيضاً مفرداتٍ خاصة به, تساعد على تعميق مجراه, وهذه المفردات تُخصِب الصورة, وتُغني مناخاتها.
5- ومثلما يستحضر الرمز مفرداتٍ خاصة, فإنه أيضا يستدعي رموزاً من نمطه, تدعم الصورة, وتمـتِّن محتواها, وتقوي فاعليتها.
6- ومن الخدمات التي يؤدّيها الرمز للصورة ومن ثمّ للنص تنوّع المناخات التي يفرضها تنوّع الرموز الوافدة إلى الصورة، والغنى في الدلالات وجانب الإيحاء فيها
هكذا يتبين لنا مما تقدّم مدى العلاقة الوطيدة بين الرمز بأنواعه كافة والصورة،
ومدى الأهمية الكبيرة في تحقيق الغاية المرجوة من اللقاء بينهما. والشاعر
المبدع هو الذي يستطيع أن يوظّف إمكانات الرمز في خدمة التشكيل الجمالي
للصورة الفنية وكذلك الجانب الدلالي فيها. ولو حَدَثَ غيرُ ذلك يصبح الرمز عبئاً ثقيلاً على الصورة والنص. والرمز لا قيمة له خارج السياق الفني للعمل الإبداعي بعامة.

الرمز في الدراسات النقدية العربية القديمة
من غير الجائز علميا إسقاط مفاهيم معرفية أو أدبية أنتجتها حضارة معينة أو نسق معرفي معين على حضارة أخرى أو نسق معرفي آخر إن البنية المفاهيمية تشكل الجهاز المعرفي الذي يتم وفقه إنتاج الفكر أوالتدارس المعرفي ومنها يكون البحث عن الرمزية في النقد القديم ضرب من التجوز أو الانحراف، لأن ظروف المعرفية والشروط الحضارية التي أنشأت المباحث والمفاهيم الرمزية متباينة تمام التباين عن الواقع العربي القديم وعن سياقات النقد الأدبي. فالبحث عن الرمزية كما استقر عليها المفهوم الفلسفي والاجتماعي والأدبي الحديث عبثا إن نعثر عليها في النقد الأدبي القديم. ولكننا رغم هذه المحاذير سنحاول النظر في الرمز بالشعر العربي القديم والنقد الأدبي القديم.ليس كمفهوما فلسفيا وأدبيا وإنما كمفهوم إجرائي ولغوي بحت. والرمز، هو الإشارة من غير لفظ وتكون دالة على معين هذا التعريف الذي تفصح به المعاجم اللغوية حيث تطابق بين الإشارة والرمز، فيكون الرمز ليس إلا مايعرف باللغة الاشارية. وهذا النوع عرف
العرب أنواعا منه وأشهرها ما يعرف بالمعمى وهو نوع من الإلغاز الاشارية. وفي النقد العربي القديم نجد دراسة الرمز بالمفهوم الاشاري عند ابن قتيبة الدنوري وعند الجاحظ في كتاب البيان والتبيين وكتاب الحيوان فقد وصف بالحيوان ما كانت تلجأ إليه العرب وكثير من الشعوب من الإبانة عن حاجاتهم ومخاطبة بعظهم بعضا من غير لغة منطوقة ولا كلام ملفوظ. وكيف كان يفهم بعظه عن بعض. وكيف تفنن العرب في هذا النوع من الرمز وحذقوه تمام الحذق.
وقد اورد بيتا من الشعر في الرمز والترميز والإبانة عن النفس من غير تلفظ.
قال الشاعر:
نظرت إليها نظرة فتحــيرت دقائق فكري في بديع صفاتها
                                        فأوحى إليها الطرف أني أحبها فاثر الوحـــي في وجناتها
فالوحي بالطرف هورمز اشاري أدركته المرأة سريعا وظهر أثره على وجناتها.
وقد أفاض كثير من النقاد في هذا النمط من الرمز. وعد من الرمز المجاز على اختلاف أشكاله. فهو ملفوظ يقصد به غير ظاهره. وتم دراسة هذا النمط على
مستوى اللغة والنقد على حد سواء. ومن الرمز المقارب لما نحن فيه ما أشار إليه الجاحظ في القصيدة العربية من وصف الشاعر للناقة وإفاضة الوصف ليخلص بعدها إلى المحبوب والمقصود بالرحلة. كما ذكر صراع الثور الوحشي والكلاب فتارة يلوي عليها بقرنه فيثخنها جراحا وتارة تنال الكلاب منه نيلا وكلا الصورتين تتكرر في الشعر العربي القديم ليخلص الشاعر منها إلى موقفين نفسيين مختلفين. فكان الثور والكلاب هنا رمزا لحالتين نفسيتين مختلفتين. وهذا الترميز قريب المنال من الرمز الذي نعنيه وان كانت ليس المفهوم عينه بل بعض مقتضياته فقط. أو قل الرمز بمعنى الإشارة اللغوية وليس بالمعنى النقدي كما استقر في الأدب الحديث.
وخلاصة ما ننتهي إليه أن النقد العربي نظر في الرمز اللغوي وكانت له إشارات مبثوثة ضمن المباحث النقدية وليست مفردة بمباحث خاصة وما ذاك إلا لكون لكل امة أو ثقافة أو فترة زمنية ضربا من النقد يتباين عن غيره من الأزمان والحضارات.
الرمز في الدراسات النقدية العربية الحديثة على خلاف النقد الأدبي القديم اخذ النقد الجديد ، ولا سيما في القرن العشرين بالنظر في التطورات النقدية الغربية فشرع الأدباء والنقاد في الاقتباس والنسج على منوال الآداب الغربية فكان من نظرهم أن اقتبسوا الرمزية مذهبا في الأدب. واقتبس مصطلح الرمز منهجا في النقد. وظهرت دراسات كثيرة تتناول الأدب العربي والشعر القديم خاصة بإعادة النظر والاستنطاق فكان من الدراسات التي توجهت كتابات الشاعر صلاح عبد الصبور والشاعر محمد سعيد ادونيس وكتابات عبد الله الغذامي و مصطفى ناصف وكثير من النقاد العرب. واشتدت الحركة النقدية بالمناهج الحديثة ولاسيما الرمزية والبنيوية والتفكيكية بعد مرحلة الثمانينيات، حيث انتشرت كتابات رولان بارت النقدية وفلسفة بارسونز بالبنيوية وفلسفة جاك دريدا وقد كان هذا المنهج من النقد على اختلاف مدارسه- التأويلية واللاسطورية- في تفسير الأدب قديمه وحديثه، واحدا من المناهج والاتجاهات النقدية المتدافعة والتي تضطرب بها حركة التجريب النقدي في الساحة العربية الراهنة.
وبدأ هذا الاتجاه في الظهور في ما يخص دراسة الأدب الجاهلي منذ مطلع القرن العشرين مع حركة متسارعة في فترة الثمانينيات. حيث ظهرت عدة دراسات أكاديمية، ومنها دراسة الدكتور عبد الرحمن نصرت الموسومة ب الصورة الفنية في الشعر الجاهلي في ضوء النقد الحديث. وظفر هذا الاتجاه بنقاد آمنوا به وتحمسوا له وتجشموا فيه كل صعب، ذهب الباحث الدكتور عبد الرحمن نصرت في دراسته الموسومة ب الصورة الفنية في الشعر الجاهلي في ضوء النقد الحديث إلى القول: والغريب أن ندرس الشعر الجاهلي منفصلا عن نظرة الشعراء إلى الكون ... فنظرة الشعر إلى الكون لاستغنى عنها أبدا في نقد الشعر لان تلك النظرة هي التي تنير الطريق أمام الناقد فلا تجعله يخبط في ليل مظلم
والصورة التي يناقشها الدكتور نصرت في كتابه ليست الصورة الفنية التي اعتاد النقاد مدارستها بل الصورة محل الغرض هي الصورة الذهنية. كما أثبتنا ذلك في المفهوم الفلسفي للرمز. وما يكشف عن طبيعة الصورة عنده مباحث الكتاب الأخرى حيث ضم الباب الثاني من كتابه فصلين تحدث أولهما عن الصورة والرمز الديني وفي الثاني عن الصورة والرمز الوجودي
وفي ما يلي نورد بعض المناقشات والصور التي يعرضها الدكتور في كتابه. ففي الفروض النظرية ينطلق من نظرية يونغ نظرية الأنماط الأربعة وهي النظرية التي وضعها لتفسير السلوك الإنساني وتعتبر ردا على نظرية فرويد في التحليل النفسي.وقوام النظرية ميراث الأسلاف وأوله الدين سواء تجسد في أشكال أسطورية أو لاهوتية أو أي إشكال طقسية. يظل فهم الدين أس البناء الفكري ونظرة الإنسان إلى نفسه ومن حوله هذه النظرة هي التي تحدد وجهته العقلية والنفسية، وتحدد لغته ومشاعره ومعانيه ورموزه، فلغته لا يمكن التعرف على
المجاز والحقيقة من خلال فحص القرائن اللغوية بمنهج بلاغي بحت ، فذلك لايكفي ولا يفي بالغرض بل لابد من دراسة المنظومة الفكرية العامة وأولها الرمز والنمط الديني ومن خلال الرمز الديني يمكن آن ندخل إلى القصيدة الجاهلية ونتعرف على طبيعة رموزها ومضامينها وإبعادها. ودون ذلك تظل مغلقة وسرا محنطا لايمكن لأحد أن يخترق سياجه أو يحيط بمغاليقه
ومن هنا يشتق الدكتور فرضا ثانيا وقوامه إن الإنسان العربي الجاهلي والشاعر أساسا إنسان متدين والشاعر في قمة التدين بل يربط بين الشاعر والكاهن ويعزوا فكرة شيطان الشعر إلى انه ضرب من الكهانة فيكون بهذا الشعراء ليسوا ناطقين بشؤون قبيلتهم ينافحون عنها كما هو وارد في النقد القديم وإنما هم ضرب من الكهان والكهانة يمارسون طقوسهم بصيغ رمزية
وبهذا الفرض الثاني تنفتح مغاليق الشعر العربي وموقع الشاعر داخل القبيلة ووظيفته الاجتماعية. ولايمكن أن تتكشف هذه الطبيعة بالنظر إلى الشعر وحده باعتباره نسجا لغويا بحتا بل ينبغي الإحاطة التاريخية والانثروبولوجية بالواقع الديني والحضاري والنفسي والفكري للإنسان العربي الجاهلي فداخل هذه الخريطة الكلية يمكن للشعر الجاهلي فقط البوح بما يخفيه وبحقيقته.
ووفق هذا يمكن أن نفسر الرموز اللغوية في الشعر الجاهلي؛ فالشمس والرحلة وحمار الوحش والثور والكلاب والظعائن والوقوف والاستيقاف ليست شخوصا وحقائق إنها رموز. فماذا تعني هذه الرموز؟ 

تلخص الفقرة التي يوردها الدكتور نصرت في ختام كتابه طبيعة الرموز الجاهلية حيث قال: وإذا صح هذا النظر انفتحت أمامنا مغاليق الحياة الدينية الهذلية في العصر الجاهلي ولاسيما عبادة سواع .
ومن الدراسات التي اهتمت بالتفسير الرمزي للشعر الجاهلي دراسة الدكتور على البطل الموسومة بعنوان الصورة في الشعر العربي وهي دراسة قريبة من سابقتها. وهي تتجه إلى تفسير رمزية الصورة الشعرية في الشعر الجاهلي. وتتأسس على نفس الفرضيات السابقة ولاسيما الرمز الديني بالمفهوم الانثروبولوجي. وإدراك طبيعة الشعر الجاهلي وفقها يتطلب حفريات اركيولوجية في طبقات العقل والمجتمع الجاهلي. هذا الحفر وحده يتيح لنا إدراك رمزية الشعر الجاهلي. ولا نستطرد هنا كثيرا فحسبنا عمق الدراسات وتعددها تلك التي تناولت رمزية الشعر الجاهلي.
وفي اتجاه آخر ينحو منحى الرمزية جاءت كتابات الدكتور مصطفى ناصف الذي اتجه إلى مباحث التأويلية والتفكيكية. فالنص عنده كتوم يحتاج إلى بوح بأسراره وهذا البوح لا يمكن إلا من خلال تأويل النص والتأويل عنده ضرب من استنطاق النص وضرب من المحاورة الداخلية للنص ، هذه المحاورة التي تستفز المتلقي لكي ينظر إلى المجال التداولي والسياقات التداولية التي كتب النص فيها. فالنص عنده ليس بنية مغلقة بل بنية مفتوحة تبوح لكل قارئ بما لا تبوح به للآخر. ومن هنا تكون كلمات الكاتب أو الشاعر لا تبوح بمكنون نفسه بل تتقمصه وتعبر السرديات والنصيات عن ذاتها من خلاله فقط، فلا يعدو أن يكون جسرا تنتقل عبره الكلمات أو بحسب نظرية رولان بارت موت المؤلف فليس صحيحا أن نبحث وفق هذه النظرية عن ولادة ومكان عيش الشاعر وما سوى ذلك من المباحث التي كانت تعتبر ضرورية في فهم ما يريد أن يقول الشاعر. لم يعد مهما أن نعرف ماذا يريد أن يقول الشاعر. إن النص وحدة مستقلة عن قائله ووحدة مستقلة عن شارحه ومفسره، انه التأويل المستمر وغير المتناه. ولا يخفى اثر المدرسة والفلسفة التفكيكية وتأويلية بول ريكور وغدامير في هذا النوع من القراءة للنصوص الشعرية والنثرية في الأدب العربي القديم، والى جانب هذا النوع من الدراسات هناك دراسات أخرى اتجهت الوجهة النفسية والوجهة الماركسية وكلا منها قراءة للشعر بطريقتها الرمزية الخاصة.
وخلاصة الفصل: أن الناقد العربي الحديث استقى كثيرا من المناهج والمفاهيم من السياق الفكري الغربي وحاول إعادة قراءة الشعر العربي وفق منظور نقدي جديد. وسنحاول قراءة تطبيقية في الشعر الجاهلي تمس هذه المناهج في الفصل الثالث الذي خصصناه لرمزية الشعر الجاهلي.